فصل: الوليمة للبناء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


بناء

التّعريف

1 - البناء لغةً‏:‏ وضع شيءٍ على شيءٍ على وجهٍ يراد به الثّبوت‏.‏ ويطلق على بناء الدّور ونحوها، وضدّه الهدم والنّقض، ويطلق البناء أيضاً على الدّخول بالزّوجة يقال‏:‏ بنى على أهله، وبنى بأهله‏.‏ والأوّل أفصح، ويكنّى بهذا عن الجماع بعد عقد النّكاح‏.‏ وأصله‏:‏ أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباءً جديداً، وعمّره بما يحتاج إليه‏.‏ ويطلقه الفقهاء‏:‏ على الدّور ونحوها، وعلى إتمام العبادة بالنّيّة الأولى إذا طرأ فيها خلل لا يوجب التّجديد‏.‏ ومن أمثلة ذلك‏:‏ إذا سلّم المسبوق بسلام الإمام سهواً، بنى على صلاته وسجد للسّهو‏.‏ وإذا رعف المصلّي في الصّلاة، ولم يصب الدّم ثوبه أو بدنه، بنى على صلاته‏.‏ إذا تكلّم المؤذّن أثناء الأذان عمداً أو سهواً بنى، ولم يستأنف‏.‏ وإذا خرج المجمعون أثناء الخطبة من المسجد ثمّ رجعوا قبل طول الفصل، بنى الخطيب على ما مضى من خطبته في وجودهم، ولم يستأنف‏.‏ كما يطلق البناء على التّفريع على القاعدة الفقهيّة، أي التّخريج عليها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّرميم‏:‏

2 - التّرميم‏:‏ هو إصلاح البناء‏.‏

ب - العمارة‏:‏

3 - العمارة‏:‏ ما يعمّر به المكان، ويطلق على بناء الدّار، وضدّ العمارة الخراب، ويطلق الخراب على المكان الّذي خلا بعد عمارته‏.‏

ج - الأصل‏:‏

4 - الأصل لغةً‏:‏ أسفل الشّيء‏.‏ ويطلق اصطلاحاً على‏:‏ ما يبنى عليه غيره، ويقابله الفرع، وعلى الرّاجح، وعلى الدّليل، وعلى القاعدة الّتي تجمع جزئيّاتٍ، وعلى المتفرّع منه كالأب يتفرّع منه أولاده‏.‏

د - العقار‏:‏

5 - العقار هو‏:‏ ما يقابل المنقول، وهو كلّ ملكٍ ثابتٍ له أصل في الأرض ‏(‏الحكم الإجماليّ‏)‏‏:‏ أوّلاً - البناء ‏(‏بمعنى إقامة المباني‏)‏

6 - الأصل في البناء الإباحة، وإن زاد على سبعة أذرعٍ، أمّا النّهي الوارد عنه في الحديث وهو ‏{‏إذا أراد اللّه بعبدٍ شرّاً أخضر له اللّبن والطّين، حتّى يبني‏}‏‏.‏ فقد بيّن المناويّ أنّ ذلك يحمل على ما كان للتّفاخر، أو زاد عن الحاجة‏.‏ وتعتريه باقي الأحكام الخمسة‏:‏ فيكون واجباً‏:‏ كبناء دار المحجور عليه إذا كان في البناء غبطة ‏(‏مصلحة ظاهرة تنتهز قد لا تعوّض‏)‏‏.‏ وحراماً‏:‏ كالبناء في الأماكن ذات المنافع المشتركة، كالشّارع العامّ، وبناء دور اللّهو، والبناء بقصد الإضرار، كسدّ الهواء عن الجار‏.‏ ومندوباً‏:‏ كبناء المساجد والمدارس، والمستشفيات، وكلّ ما فيه مصلحة عامّة للمسلمين حيث لا يتعيّن ذلك لتمام الواجبات، وإلاّ صار واجباً، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب‏.‏ ومكروهاً‏:‏ كالتّطاول في البنيان لغير حاجةٍ‏.‏

الوليمة للبناء‏:‏

7 - هي مستحبّة، كبقيّة الولائم الّتي تقام لحدوث سرورٍ أو اندفاع شرٍّ، وتسمّى الوليمة للبناء ‏(‏وكيرة‏)‏ ولا تتأكّد تأكّد وليمة النّكاح‏.‏ وقد ذكر بعض الشّافعيّة قولاً بوجوبها، لأنّ الشّافعيّ قال‏:‏ بعد ذكر الولائم - ومنها الوكيرة -‏:‏ ولا أرخّص في تركها‏.‏ وذهب بعض المالكيّة إلى أنّها مكروهة، وعن بعضهم أنّها مباحة‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏وليمة‏)‏‏.‏

من أحكام البناء‏:‏

أ - هل البناء من المنقولات ‏؟‏

8 - صرّح الحنفيّة بأنّ البناء من المنقولات‏.‏ وعند بقيّة المذاهب هو من غير المنقول وللتّفصيل ينظر مصطلح ‏(‏عقار‏)‏‏.‏

ب - قبض البناء‏:‏

9 - يكون قبض البناء في البيع بتخليته للمشتري، وتمكين المشتري من التّصرّف فيه، كما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة وقالوا‏:‏ من تمكينه من التّصرّف تسليمه المفتاح إليه، بشرط فراغ البناء من أمتعة البائع، وأن لا يكون مانع شرعيّ أو حسّيّ‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ الشّارع أطلق القبض وأناط به أحكاماً ولم يبيّنه، وليس له حدّ في اللّغة، فيجب الرّجوع إلى العرف، وهو يقتضي ما ذكرناه‏.‏ وللتّفصيل ينظر مصطلح ‏(‏قبض‏)‏‏.‏

ج - جريان الشّفعة في البناء المبيع‏:‏

10 - تجري الشّفعة في البناء إذا بيع مع الأرض تبعاً لها، ولا تثبت فيه إذا بيع منفرداً، وعلى هذا جمهور الفقهاء‏.‏ وعند الإمام مالكٍ وعطاءٍ وهو رواية عن أحمد‏:‏ تثبت فيه الشّفعة، وإن بيع منفرداً‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

د - البناء في الأراضي المباحة‏:‏

11 - يرى جمهور الفقهاء جواز البناء في الأرض المباحة، ولو بدون إذن الإمام اكتفاءً بإذن الشّارع، ولأنّه مباح، كالاحتطاب والاصطياد‏.‏ ولكن يستحبّ الاستئذان من الإمام خروجاً من خلاف من أوجبه‏.‏ وإلى هذا ذهب الشّافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز إلاّ بإذن الإمام، واستدلّ بحديث‏:‏ ‏{‏ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه‏}‏ وانظر مصطلح ‏(‏إحياء الموات‏)‏‏.‏

هـ - تحجير الأرض للبناء‏:‏

12 - إذا احتجر أرضاً للبناء، ولم يبن مدّةً يمكن البناء فيها، ولا أحياها بغير ذلك، بطل حقّه فيها، لأنّ التّحجّر ذريعة إلى العمارة، وهي لا تؤخّر عنه إلاّ بقدر أسبابها‏.‏ ومن الفقهاء من يرى أنّه يرفع إلى السّلطان، ولا يبطل حقّه بطول المدّة‏.‏ وقد قدّر البعض المدّة بثلاث سنواتٍ، لقول عمر رضي الله عنه ليس لمتحجّرٍ بعد ثلاث سنواتٍ حقّ هذا ما صرّح به الشّافعيّة، وفي المذاهب الأخرى خلاف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ‏(‏إحياء الموات‏)‏‏.‏

و - البناء في الأراضي المغصوبة‏:‏

13 - إذا بنى في أرضٍ مغصوبةٍ، فطلب صاحب الأرض قلع بنائه قلع، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في ذلك خلافاً بين الفقهاء لحديث‏:‏ ‏{‏ليس لعرقٍ ظالمٍ حقّ‏}‏ ولأنّه شغل ملك غيره بملكه الّذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه، فلزمه تفريغه، وإن أراد صاحب الأرض أخذ البناء بغير عوضٍ لم يكن له ذلك‏.‏ وللحنفيّة تفصيل فيما إذا كان البناء أو الغرس بزعم سببٍ شرعيٍّ يعذر به الباني، فينظر‏:‏ إن كانت قيمة الأرض أكثر من قيمة البناء كلّف الغاصب القلع‏.‏ وإن كانت أقلّ منه فلا يؤمر بالقلع، ويغرم صاحب البناء لصاحب الأرض قيمة الأرض، أمّا إذا كان البناء ظلماً، فالخيار لصاحب الأرض بين الأمر بالقلع أو تملّك البناء مستحقّ القلع‏.‏ أمّا ضمان منفعة الأرض في مدّة الغصب وآراء الفقهاء فيه فيرجع إليه في مصطلح ‏(‏غصب‏)‏‏.‏

ز - البناء في الأرض المستأجرة‏:‏

14 - إذا بنى المستأجر في الأرض المستأجرة، فإن انقضت مدّة الإجارة لزم المستأجر قلعها، وتسليم الأرض فارغةً للمؤجر، لأنّ البناء لا نهاية له، وفي إبقائه إضرار بصاحب الأرض، إلاّ أن يختار صاحب الأرض أن يغرم للمستأجر قيمة البناء مقلوعاً ويتملّكه، فله ذلك برضا صاحب البناء إن لم تنقص الأرض بالقلع، فيتملّكها حينئذٍ بغير رضاه‏.‏ ولا فرق عند الحنفيّة بين الإجارة المطلقة والإجارة المشروط فيها القلع‏.‏ أمّا عند المالكيّة فإن استأجر أرضاً لمدّةٍ طويلةٍ كتسعين سنةً - على مذهب من يرى ذلك منهم - ليبني فيها، وفعل ثمّ مضت المدّة، وأراد المؤجّر إخراج المستأجر ويدفع له قيمة بنائه منقوضاً، فإنّه لا يجاب لذلك، ويجب عليه بقاء البناء في أرضه، وله كراء المثل في المستقبل، وسواء كانت تلك الأرض المؤجّرة ملكاً أو وقفاً على جهةٍ‏.‏ أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ شرط القلع بعد انتهاء مدّة الإجارة لزم المستأجر القلع وفاءً بشرطه، وليس على مالك الأرض أرش نقص البناء بالقلع، ولا على المستأجر تسوية الأرض وإصلاحها لتراضيهما بالقلع، وإن أطلقا فللمكتري قلعه، لأنّه ملكه فله أخذه، وعليه تسوية الأرض إن قلعه لأنّه ضرر أدخله في ملك غيره بغير إذنه، وإن أبى القلع لم يجبر عليه، إلاّ أن يضمن له المالك أرش النّقص بالقلع فيجبر عليه‏.‏ أمّا المالك فله الخيار بين ثلاثة أشياء‏:‏ أن يدفع للمستأجر قيمة البناء فيتملّكه، أو يقلع البناء ويضمن أرش النّقص، أو يقرّ البناء فيأخذ من المستأجر أجرة المثل‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏الإجارة‏)‏‏.‏

ح - البناء في الأرض المستعارة‏:‏

15 - إذا استعار أرضاً للبناء لم يكن له أن يبني بعد انتهاء مدّة العاريّة أو الرّجوع عن العاريّة، فإن فعل ذلك قلع بناؤه، وحكمه حكم الغاصب، وعليه تسوية الأرض وضمان نقص الأرض، لأنّه عدوان‏.‏ أمّا إذا بنى قبل الرّجوع، فإن شرط عليه‏:‏ القلع مجّاناً عند الرّجوع لزمه القلع عملاً بالشّرط‏.‏ وإن لم يشترط القلع فلا يقلع مجّاناً، سواء كانت العاريّة مطلقةً أو مقيّدةً بوقتٍ، لأنّ البناء مال محترم فلا يقلع مجّاناً، فيخيّر المعير بين الأمور الثّلاثة الّتي مرّت في الإجارة المطلقة، وهذا في الجملة عند غير الحنفيّة‏.‏ وفرّق الحنفيّة بين المطلقة والمؤقّتة، فإن كانت العاريّة مؤقّتةً فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقص في قيمة البناء بالقلع، لأنّ المستعير مغرور من قبل المعير، أمّا المطلقة فلا ضمان على المعير، لأنّ المستعير مغترّ غير مغرورٍ، حيث اعتمد إطلاق العقد، وظنّ أنّه يتركه مدّةً طويلةً‏.‏

ط - البناء في الأرض الموقوفة

16 - إذا بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة بغير إذن ناظر الوقف قلع بناؤه إن لم يكن ضرر على الأرض بالقلع، ويضمن منافعها الّتي فاتت بيده، بهذا صرّح الحنفيّة في هذه المسألة، والضّمان هو الأصل عند غير الحنفيّة في منفعة كلّ مغصوبٍ‏.‏

ي - بناء المساجد‏:‏

17 - بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحالّ حسب الحاجة فرض كفايةٍ وهو من أجلّ أعمال البرّ الّتي حثّ الشّارع عليها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه‏}‏‏.‏ وجاء في الخبر الصّحيح ‏{‏من بنى مسجداً، يبتغي به وجه اللّه، بنى اللّه له مثله في الجنّة‏}‏‏.‏ وأمّا ما يراعى في بناء المساجد فينظر في مصطلح ‏(‏مسجد‏)‏‏.‏

ك - البناء باللّبن المخلوط بالنّجاسة‏:‏

18 - صرّح الشّافعيّة بأنّه يجوز بناء الدّور ونحوها بموادّ مخلوطةٍ بالنّجاسة - كتسميد الأرض بها - للضّرورة‏.‏ قال الأذرعيّ‏:‏ والإجماع الفعليّ على صحّة بيع ذلك‏.‏ والتّفصيل في باب ‏(‏النّجاسة‏)‏‏.‏

ل - البناء على القبور‏:‏

19 - يكره تجصيص القبر والبناء عليه، إن كان في أرضٍ كان يملكها الميّت، أو أرضٍ مواتٍ بلا قصد مباهاةٍ، فإن كان في مقبرةٍ مسبّلةٍ حرم البناء، ويهدم إن بني، لأنّه يضيّق على النّاس، ولا فرق في ذلك بين أن يبني قبّةً أو بيتاً أو مسجداً‏.‏ وقد ورد النّهي عن بناء المساجد على القبور، ففي الخبر المتّفق عليه أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الّذي مات فيه‏:‏ ‏{‏لعن اللّه اليهود والنّصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏}‏‏.‏ والتّفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏قبر‏)‏‏.‏

م - البناء في الأماكن المشتركة‏:‏

20 - لا يجوز البناء الخاصّ في الأماكن الّتي تتعلّق بها حقوق عامّة، كالشّوارع العامّة، ومصلّى العيد في الصّحراء، وأماكن النّسك، كعرفة ومزدلفة، لما في ذلك من التّضييق على النّاس ولأنّها للمسلمين جميعاً، فليس لفردٍ أن يستأثر بها‏.‏

ن - بناء الحمّام‏:‏

21 - ذهب الإمام أحمد إلى أنّه يكره بناء الحمّام مطلقاً، وبناؤه للنّساء أشدّ كراهةً، ونقل عنه قوله‏:‏ الّذي يبني الحمّام للنّساء ليس بعدلٍ وهو جائز عند بقيّة الأئمّة‏.‏

ثانياً‏:‏ البناء في العبادات

يراد بالبناء هنا‏:‏ إتمام العبادة بعد انقطاعها‏.‏

22 - إذا أحرم متطهّراً، ثمّ أحدث عمداً، بطلت صلاته باتّفاق الفقهاء‏.‏ واختلفوا فيما إذا سبقه الحدث بلا عمدٍ منه‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا تبطل صلاته، فيبني عليها بعد التّطهّر، وهو القول القديم للشّافعيّ‏.‏ وعند المالكيّة‏:‏ لا يبني المحدث في الصّلاة إلاّ في الرّعاف‏.‏ وتبطل الصّلاة في الجديد عند الشّافعيّة ولا بناء، وهو مذهب الحنابلة‏.‏ وللتّفصيل انظر مصطلح ‏(‏حدث، رعاف‏)‏‏.‏

بناء السّاهي في الصّلاة على يقينه‏:‏

23 - إذا شكّ في أثناء الصّلاة في عدد الرّكعات أو فعل ركنٍ، فالأصل أنّه لم يفعل، فيجب البناء على اليقين، وهو الأقلّ‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏شكّ‏)‏‏.‏

البناء في خطبة الجمعة‏:‏

24 - إذا انفضّ المجمعون في أثناء الصّلاة، وعادوا قبل طول الفصل، بنى الخطيب على خطبته‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏خطبة‏)‏‏.‏

البناء في الطّواف‏:‏

25 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا ابتدأ بالطّواف، ثمّ أقيمت الصّلاة المكتوبة، فإنّه يقطع الطّواف، ويصلّي مع الجماعة، ثمّ يبني على طوافه، لأنّه فعل مشروع فلم يقطعه، كالفعل اليسير‏.‏ أمّا في غير المكتوبة فقد اختلف الفقهاء في صحّة البناء على ما مضى‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏طواف‏)‏‏.‏

بناء بالزّوجة

انظر‏:‏ دخول‏.‏

بناء في العبادات

انظر‏:‏ استئناف‏.‏

بنان

انظر‏:‏ إصبع‏.‏

بنت

التّعريف

1 - بنت وابنة‏:‏ مؤنّث ابنٍ‏.‏ والولد يطلق عليهما‏.‏ الحكم الإجماليّ ومواطن البحث‏:‏ وردت أحكام تتعلّق بالبنت أهمّها ما يلي‏:‏

أ - النّكاح‏:‏

2 - نكاح البنت‏:‏ يحرم نكاح الرّجل ابنته، والعقد عليها باطل‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم‏}‏ وعليه إجماع الأمّة‏.‏

3 - نكاح ابنته من الزّنى‏:‏

ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى تحريم زواج الرّجل ابنته من الزّنى، لأنّ الوطء سبب الجزئيّة، والاستمتاع بالجزء حرام‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المخلوقة من ماء زناه تحلّ له، لأنّ ماء الزّنى لا حرمة له، لكنّه مكروه خروجاً من الخلاف‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

الولاية في النّكاح‏:‏

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ للأب إنكاح ابنته الصّغيرة والكبيرة المجنونة أو المعتوهة ولو جبراً عنها، إن كانت بكراً‏.‏ واختلفوا في الثّيّب الصّغيرة‏.‏ وأمّا تزويج الرّجل ابنته البكر الكبيرة فالجمهور على أنّ للأب إجبارها خلافاً للحنفيّة‏.‏ أمّا البنت الثّيّب الكبيرة فالأب يلي إنكاحها دون إجبارٍ‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏النّكاح والولاية‏)‏‏.‏

ب - إرث البنت‏:‏

5 - البنت إذا انفردت لها النّصف في الميراث، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كانت واحدةً فلها النّصف‏}‏ وإن كانتا اثنتين فصاعداً فلهما الثّلثان، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كنّ نساءً فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك‏}‏ هذا عند عامّة الصّحابة، وعن ابن عبّاسٍ أنّ حكمهما حكم الواحدة‏.‏ أمّا إذا كان مع البنت ابن، فللذّكر مثل حظّ الأنثيين وهو يعصبهنّ، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين‏}‏‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏إرث‏)‏

ج - النّفقة‏:‏

6 - اتّفقوا على وجوب نفقة البنت الفقيرة غير المتزوّجة على والدها إذا كان غنيّاً‏.‏ أمّا إذا كانت البنت غنيّةً، فلا تجب لها النّفقة، وإذا كانت كبيرةً وفقيرةً فتجب لها النّفقة أيضاً مع بعض الشّروط‏.‏ ولتفصيل ذلك انظر مصطلح ‏(‏نفقة‏)‏

بنت الابن

التّعريف

1 - بنت الابن‏:‏ هي كلّ بنتٍ تنتسب إلى المتوفّى بطريق الابن، مهما نزلت درجة أبيها، فتشمل بنت الابن وبنت ابن الابن مهما نزل‏.‏ الحكم الإجماليّ ومواطن البحث‏:‏ لبنت الابن أحكام خاصّة في الفقه الإسلاميّ نجمل أهمّها فيما يلي‏:‏ النّكاح‏:‏

2 - يحرم على الرّجل نكاح بنت ابنه وإن نزلت، لقوله تعالى ‏{‏حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم‏}‏ والمراد بالبنت‏:‏ الفرع المؤنّث وإن بعد‏.‏ فيشمل بنت الابن وبنت البنت، ولإجماع المجتهدين على ذلك‏.‏ وللتّفصيل يراجع مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

الزّكاة‏:‏

3 - لا يجوز دفع الزّكاة إلى بنت الابن عند الحنفيّة والحنابلة، لأنّ منافع الأملاك بينهم متّصلة‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يجوز دفع الزّكاة إليها في الحال الّتي تجب فيها النّفقة على الجدّ أمّا المالكيّة فقد جوّزوا دفع الزّكاة إلى بنت الابن، لأنّها لا تجب نفقتها على جدّها‏.‏

الفرائض‏:‏

4 - لبنت الابن أحوال في الميراث نجملها فيما يلي‏:‏

أ - النّصف للواحدة‏.‏

ب - الثّلثان للاثنتين فصاعداً‏.‏ وهاتان الحالتان يشترط فيهما عدم البنات الصّلبيّات، فإذا عدمن قامت بنت الابن مقامهنّ‏.‏

ج - إذا كان معهنّ ذكر فإنّه يعصبهنّ، وحينئذٍ فللذّكر مثل حظّ الأنثيين‏.‏

د - لهنّ السّدس مع البنت الواحدة الصّلبيّة، تكملةً للثّلثين‏.‏

هـ - لا يرثن مع الصّلبيّتين عند عامّة الصّحابة، إلاّ إذا كان معهنّ ذكر بدرجتهنّ أو أسفل منهنّ، فإنّه يعصبهنّ، وحينئذٍ فللذّكر مثل حظّ الأنثيين‏.‏ ولتفصيل ذلك راجع مصطلح ‏(‏فرائض‏)‏‏.‏

بنت لبونٍ

انظر‏:‏ ابن لبونٍ

بنت مخاضٍ

انظر‏:‏ ابن مخاضٍ

بنج

ّعريف

1 - البنج - بفتح الباء - في اللّغة والاصطلاح‏:‏ نبات مخدّر، غير الحشيش، مسكّن للأوجاع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الأفيون‏:‏

2 - الأفيون‏:‏ عصارة ليّنة يستخرج من الخشخاش، ويحتوي على ثلاث موادّ منوّمةٍ منها المورفين‏.‏

ب - الحشيشة‏:‏

3 - الحشيشة‏:‏ نوع من ورق القنّب الهنديّ يسكر جدّاً إذا تناول منه قدر درهمٍ‏.‏ هذا ما قاله ابن تيميّة وابن حجرٍ الهيتميّ وابن عابدين‏.‏ لكن قال القرافيّ - بعد بيان الفرق بين المسكر والمفسد ‏(‏أي المخدّر‏)‏ - وبهذا يظهر لك أنّ الحشيشة مفسدة وليست مسكرةً، ثمّ استدلّ لذلك بكلامٍ نفيسٍ يرجع إليه في الفروق‏.‏ الحكم الشّرعيّ في تناوله‏:‏

4 - يرى جمهور الفقهاء أنّه يحرم تناول القدر المسكر من هذه المادّة، ويعزّر بالسّكر منه بغير عذرٍ ويجوز عندهم التّداوي به واستعماله لإزالة العقل لقطع عضوٍ متآكلٍ‏.‏ أمّا الحنفيّة فقد اختلفت آراؤهم في حكم تناول البنج لغير التّداوي ووجوب إقامة الحدّ على السّكران منه‏.‏

عقوبة تناوله‏:‏

5 - يعرّف الفقهاء ما يحرم تناوله، ويترتّب على تعاطيه الحدّ بأنّه‏:‏ كلّ شرابٍ مسكرٍ‏.‏ وبناءً على هذا التّعريف ذهب معظم الفقهاء إلى عدم إقامة الحدّ على السّكران من البنج ونظائره من الجامدات، وإن كان مذاباً وقت التّعاطي، ولكنّه يعاقب عقوبةً تعزيريّةً‏.‏

حكم طهارته‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ البنج طاهر، لأنّهم يشترطون لنجاسة المسكر أن يكون مائعاً‏.‏

مواطن البحث

7 - يذكره الفقهاء في باب الأشربة والنّجاسات والطّلاق‏.‏

بندق

انظر‏:‏ صيد

بنوّة

انظر‏:‏ ابن

بهتان

انظر‏:‏ افتراء

بهيمة

انظر‏:‏ حيوان

بول

انظر‏:‏ قضاء الحاجة

بيات

انظر‏:‏ بيتوتة

بيان

التّعريف

1 - البيان لغةً‏:‏ الإظهار والتّوضيح، والكشف عن الخفيّ أو المبهم‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏علّمه البيان‏}‏ أي الكلام الّذي يبيّن به ما في قلبه، ويحتاج إليه من أمور دنياه، فهو منفصل به عن سائر الحيوانات‏.‏ ولم يبعد الأصوليّون والفقهاء عن المعنى اللّغويّ في تعريفهم للبيان‏.‏ فهو عند الأصوليّين‏:‏ الدّالّ على المراد بخطابٍ لا يستقلّ بنفسه في الدّلالة على المراد‏.‏ ويطلق ويراد به المدلول، ويطلق أيضاً على فعل المبيّن، ولأجل إطلاقه على المعاني الثّلاثة اختلفوا في تفسيره بالنّظر إليها‏.‏ قال العبدريّ بعد حكاية المذاهب‏:‏ الصّواب أنّ البيان هو مجموع هذه الأمور‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّفسير‏:‏

2 - التّفسير لغةً‏:‏ هو الكشف والإظهار‏.‏ وفي الشّرع‏:‏ توضيح معنى الآية وشأنها وقصّتها، والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظٍ يدلّ عليه دلالةً ظاهرةً‏.‏ والبيان بعمومه يختلف عن التّفسير، إذ البيان قد يكون بدلالة حال المتكلّم كالسّكوت، في حين أنّ التّفسير لا يكون إلاّ بلفظٍ يدلّ على المعنى دلالةً ظاهرةً‏.‏

ب - التّأويل‏:‏

3 - التّأويل‏:‏ صرف اللّفظ عن معناه الظّاهر إلى معنًى يحتمله، إذا كان المحتمل موافقاً للكتاب والسّنّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ تأويل‏)‏‏.‏ والفرق بين التّأويل والبيان‏:‏ أنّ التّأويل ما يذكر في كلامٍ لا يفهم منه المعنى المراد لأوّل وهلةٍ، والبيان ما يذكر في كلامٍ يفهم المعنى المراد منه بنوع خفاءٍ بالنّسبة إلى البعض، فالبيان أعمّ من التّأويل‏.‏ الأحكام المتعلّقة بالبيان عند الأصوليّين‏:‏

4 - البيان بالقول والفعل‏:‏ المذهب عند الفقهاء وأكثر المتكلّمين أنّ البيان يحصل بالفعل من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما يحصل بالقول‏.‏ والدّليل على أنّ البيان قد يحصل بالفعل‏:‏ أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام بيّن مواقيت الصّلاة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم بالفعل، حيث أمّه في البيت يومين، ‏{‏ولمّا سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصّلاة قال للسّائل‏:‏ صلّ معنا‏}‏ وكما قال‏:‏ ‏{‏صلّوا كما رأيتموني أصلّي‏}‏ ثمّ صلّى في اليومين في وقتين، فبيّن له المواقيت بالفعل‏.‏ وفي الحجّ قال لأصحابه‏:‏ ‏{‏خذوا عنّي مناسككم‏}‏، ولأنّ البيان عبارة عن إظهار المراد‏.‏ فربّما يكون ذلك بالفعل أبلغ منه بالقول، لأنّه ‏{‏صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالحلق عام الحديبية، فلم يفعلوا ثمّ لمّا رأوه حلق بنفسه حلقوا في الحال‏}‏‏.‏ فعرفنا أنّ إظهار المراد يحصل بالفعل كما يحصل بالقول‏.‏ وقال الكرخيّ وأبو إسحاق المروزيّ وبعض المتكلّمين‏:‏ لا يكون البيان إلاّ بالقول، بناءً على أصلهم أنّ بيان المجمل لا يكون إلاّ متّصلاً، والفعل لا يكون متّصلاً بالقول‏.‏ وللتّفصيل انظر الملحق الأصوليّ‏.‏

أنواع البيان

5 - قال البزدويّ‏:‏ البيان على أوجهٍ‏:‏ بيان تقريرٍ، وبيان تفسيرٍ، وبيان تغييرٍ، وبيان تبديلٍ، وبيان ضرورةٍ، فهي خمسة أقسامٍ‏.‏ وتجدر الإشارة إلى أنّ إضافة البيان إلى التّقرير والتّغيير والتّبديل من قبيل إضافة الجنس إلى نوعه كعلم الطّبّ، أي بيان هو تقرير، وكذا الباقي، وإضافته إلى الضّرورة من قبيل إضافة الشّيء إلى سببه‏.‏

بيان التّقرير‏:‏

6 - بيان التّقرير هو كلّ حقيقةٍ تحتمل المجاز، أو عامّ يحتمل الخصوص، إذا لحق به ما يقطع الاحتمال، وذلك نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسجد الملائكة كلّهم أجمعون‏}‏، فصيغة الجمع تعمّ الملائكة على احتمال أن يكون المراد بعضهم وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كلّهم أجمعون‏}‏ بيان قاطع لهذا الاحتمال فهو بيان التّقرير‏.‏

بيان التّفسير‏:‏

7 - بيان التّفسير هو بيان ما فيه خفاء، كالمشترك والمجمل ونحوهما، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة‏}‏ فإنّه مجمل، إذ العمل بظاهره غير ممكنٍ، وإنّما يوقف على المراد للعمل به بالبيان، ثمّ لحق هذه الآية البيان بالسّنّة، فإنّه عليه الصلاة والسلام بيّن الصّلاة بالقول والفعل، والزّكاة بقوله‏:‏ ‏{‏هاتوا ربع العشور‏}‏ فإنّه يكون تفسيراً‏.‏

بيان التّغيير‏:‏

8 - بيان التّغيير هو البيان الّذي فيه تغيير لموجب الكلام وهو نوعان‏:‏ الأوّل - التّعليق بالشّرط‏:‏ كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ‏}‏ فإنّه يتبيّن به أنّه لا يجب إيتاء الأجر بعد عقد إجارة المرضع إذا لم يوجد الإرضاع، وإنّما يجب ابتداءً عند وجود الإرضاع فيكون تغييراً لحكم وجوب أداء البدل بنفس العقد‏.‏ الثّاني - الاستثناء‏:‏ كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلبث فيهم ألف سنةٍ إلاّ خمسين عاماً‏}‏ فإنّ الألف اسم موضوع لعددٍ معلومٍ، فما يكون دون ذلك العدد يكون غيره لا محالة، فلولا الاستثناء لكان العلم يقع لنا بأنّه لبث فيهم ألف سنةٍ، ومع الاستثناء إنّما يقع العلم لنا بأنّه لبث فيهم تسعمائةٍ وخمسين عاماً، فيكون الاستثناء تغييراً لما يفيده لفظ الألف‏.‏

بيان التّبديل‏:‏

9 - بيان التّبديل هو النّسخ، وهو رفع حكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ‏.‏ والنّسخ في حقّ صاحب الشّرع بيان محض لانتهاء الحكم الأوّل، ليس فيه معنى الرّفع، لأنّه كان معلوماً عند اللّه أنّه ينتهي في وقت كذا بالنّاسخ، فكان النّاسخ بالنّسبة إلى علمه تعالى مبيّناً لا رافعاً‏.‏ ثمّ الرّاجح عند الأصوليّين أنّ النّسخ جائز في الأمر والنّهي الّذي يجوز أن يكون ثابتاً، ويجوز أن لا يكون‏.‏ وقد قال بعضهم‏:‏ إنّه لا يجوز النّسخ، وربّما قالوا‏:‏ لم يرد النّسخ في شيءٍ أصلاً‏.‏ وانظر التّفاصيل في ‏(‏نسخ‏)‏ وفي الملحق الأصوليّ‏.‏

بيان الضّرورة‏:‏

10 - بيان الضّرورة نوع من البيان يحصل بغير اللّفظ للضّرورة، وهو على أربعة أنواعٍ‏:‏ النّوع الأوّل‏:‏ ما يكون في حكم المنطوق، وذلك بأن يدلّ النّطق على حكم المسكوت عنه‏.‏ وقد مثّلوا له بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث‏}‏ فإنّه لمّا أضاف الميراث إليها في صدر الكلام، ثمّ بيّن نصيب الأمّ، كان ذلك بيان أنّ للأب ما بقي، فلم يحصل هذا البيان بترك التّنصيص على نصيب الأب، بل بدلالة صدر الكلام يصير نصيب الأب كالمنصوص عليه‏.‏ النّوع الثّاني‏:‏ هو السّكوت الّذي يكون بياناً بدلالة حال المتكلّم، نحو سكوت صاحب الشّرع عند معاينة شيءٍ عن تغييره يكون بياناً لحقيته باعتبار حاله، مثل ما شاهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم من بياعاتٍ ومعاملاتٍ كان النّاس يتعاملونها فيما بينهم، فأقرّهم عليها، ولم ينكرها عليهم، فدلّ أنّ جميعها مباح في الشّرع، إذ لا يجوز من النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقرّ النّاس على منكرٍ محظورٍ‏.‏ النّوع الثّالث‏:‏ هو السّكوت الّذي جعل بياناً، ضرورة دفع الغرور، مثل الأب إذا رأى ولده المميّز يبيع ويشتري، فسكت عن النّهي، كان سكوته إذناً له في التّجارة، لضرورة دفع الغرور عمّن يعامله، فإنّ في هذا الغرور إضراراً بهم، والضّرر مدفوع‏.‏ بهذا قال الحنفيّة‏.‏ وقال الشّافعيّ‏:‏ لا يكون السّكوت إذناً لأنّ سكوت الأب عن النّهي محتمل، قد يكون للرّضا بتصرّفه، وقد يكون لفرط الغيظ، أو قلّة الالتفات، والمحتمل لا يكون حجّةً‏.‏ النّوع الرّابع‏:‏ هو السّكوت الّذي جعل بياناً لضرورة الكلام كما إذا قال رجل‏:‏ لفلانٍ عليّ مائة ودرهم، أو مائة ودينار، فإنّ العطف جعل بياناً للأوّل، وجعل الأوّل من جنس المعطوف‏.‏ بهذا يقول الحنفيّة‏.‏ وقال الشّافعيّ‏:‏ يلزمه المعطوف، والقول في بيان جنس المائة قول المقرّ، لأنّها مجملة فإليه بيانها، والعطف لا يصلح بياناً، لأنّه لم يوضع له‏.‏

تأخير البيان عن وقت الحاجة‏:‏

كلّ ما يحتاج إلى البيان من مجملٍ وعامٍّ، ومجازٍ ومشتركٍ، وفعلٍ متردّدٍ ومطلقٍ، إذا تأخّر بيانه فذلك على وجهين‏:‏

11 - الوجه الأوّل‏:‏ أن يتأخّر عن وقت الحاجة، وهو الوقت الّذي إذا تأخّر البيان عنه لم يتمكّن المكلّف من معرفة ما تضمّنه الخطاب، وذلك في الواجبات الفوريّة‏.‏ فهذا النّوع من التّأخير لا يجوز، لأنّ الإتيان بالشّيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بمنع التّكليف بما لا يطاق‏.‏ وأمّا من جوّز التّكليف بما لا يطاق فهو يقول بجوازه عقلاً، لا بوقوعه، فكان عدم الوقوع متّفقاً عليه بين الطّائفتين‏.‏ ولهذا نقل أبو بكرٍ الباقلّانيّ إجماع أرباب الشّرائع على امتناعه‏.‏

12 - الوجه الثّاني‏:‏ تأخير البيان عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل، وذلك في الواجبات الّتي ليست بفوريّةٍ، حيث يكون الخطاب لا ظاهر له، كالأسماء المتواطئة والمشتركة، أو يكون له ظاهر وقد استعمل في خلاف الظّاهر، كتأخير البيان بالتّخصيص‏.‏ ومثله تأخير النّسخ ونحو ذلك، وفي ذلك اتّجاهات أهمّها ما يلي‏:‏

أ - الجواز مطلقاً، قال ابن برهانٍ‏:‏ وعليه عامّة علمائنا من الفقهاء والمتكلّمين‏.‏ ونقله القاضي عن الشّافعيّ، واختاره الأخوّات في المحصول، وابن الحاجب‏.‏ وقال الباجيّ‏:‏ عليه أكثر أصحابنا، وحكاه القاضي عن مالكٍ‏.‏

ب - المنع مطلقاً، نقل ذلك عن أبي إسحاق المروزيّ وأبي بكرٍ الصّيرفيّ وأبي حامدٍ المروزيّ وأبي بكرٍ الدّقّاق وداود الظّاهريّ والأبهريّ، قال القاضي‏:‏ وهو قول المعتزلة وكثيرٍ من الحنفيّة‏.‏

ج - أنّ بيان المجمل إن لم يكن تبديلاً ولا تغييراً جاز مقارناً وطارئاً، وإن كان تغييراً جاز مقارناً ولا يجوز طارئاً بحالٍ‏.‏ نقله السّمعانيّ عن أبي زيدٍ من الحنفيّة‏.‏ وتنظر مراتب البيان للأحكام وسائر التّفاصيل المتعلّقة بالموضوع في الملحق الأصوليّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالبيان عند الفقهاء بيان المقرّ به المجهول‏:‏

13 - إذا أقرّ شخص بمجهولٍ وأطلق، بأن قال‏:‏ عليّ شيء أو حقّ، يلزمه، لأنّ الحقّ قد يلزمه مجهولاً، كأن يتلف مالاً لا يعرف قيمته، أو يجرح جراحةً لا يعرف أرشها، أو يبقى عليه باقية حسابٍ لا يعرف قدره وهو محتاج إليه لإبراء ذمّته بالإيفاء أوالتّراضي، فجهالة المقرّ به لا تمنع صحّة الإقرار، ويقال للمقرّ‏:‏ بيّن المجهول، فإن لم يبيّن أجبره الحاكم على البيان، لأنّه لزمه الخروج عمّا وجب عليه بصحيحٍ إقراره، وذلك الخروج عمّا لزمه يكون بالبيان، ولكن يبيّن شيئاً يثبت في الذّمّة، قلّ أو كثر، أمّا إذا بيّن شيئاً لا يثبت في الذّمّة فلا يقبل منه، نحو أن يقول‏:‏ عنيت حقّ الإسلام، أو كفّاً من ترابٍ أو نحوه، بهذا قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو أحد قولي الشّافعيّة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في القول الآخر إلى أنّه إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع عن التّفسير، يجعل ذلك إنكاراً منه وتعرض اليمين عليه، فإن أصرّ على الامتناع جعل ناكلاً عن اليمين ويحلف المدّعي‏.‏ أمّا إذا أقرّ بمجهولٍ وبيّن السّبب، فينظر إن كان سبباً لا تضرّه الجهالة كالغصب الوديعة، بأن قال‏:‏ غصبت مال فلانٍ، أو لفلانٍ عندي أمانة، فيصحّ إقراره، ويجبر على بيان المغصوب أو الأمانة المجهولة وتعيينهما، وإن كان سبباً تضرّه الجهالة كالبيع والإجارة لا يصحّ الإقرار، ولا يجبر على بيان ما باعه أو استأجره‏.‏

البيان في الطّلاق المبهم‏:‏

14 - إذا قال الزّوج لزوجتيه‏:‏ إحداكما طالق، وقصد معيّنةً منهما طلقت، ويلزمه البيان، ويصدّق، لأنّه مالك للإيقاع عليها، فيصحّ بيانه أيضاً، وما في ضميره لا يوقف عليه إلاّ من جهته، فيقبل قوله فيه‏.‏ وتعتزلانه إلى البيان، لاختلاط المحرّمة بالمباحة‏.‏ ويلزم الزّوج البيان فوراً، فإن أخّر عصى، فإن امتنع حبس وعزّر‏.‏ وللفقهاء تفاصيل في لزوم نفقة الزّوجتين إلى البيان، وألفاظ البيان وما يثبت به البيان من الأفعال كالوطء ومقدّماته تنظر في ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

بيان المعتق المبهم‏:‏

15 - إذا قال شخص لأرقّائه‏:‏ أحدكم حرّ، أو أعتقت أحدكم، ونوى معيّناً بيّنه وجوباً، وإذا خاصم أحدهم إلى الحاكم أجبر المولى على البيان، وإن بيّن واحداً من الاثنين للعتق، فللآخر تحليفه أنّه ما أراده‏.‏ وإن قال‏:‏ أردت هذا، بل هذا، عتقا جميعاً مؤاخذةً له بإقراره‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ عتق‏)‏

بيت

التّعريف

1 - من معاني البيت في اللّغة‏:‏ المسكن، وهو كلّ ما كان له جدار وسقف، وإن لم يكن به ساكن‏.‏ ويطلق أيضاً على البيت الشّقّة‏.‏ ويجمع البيت على أبياتٍ، وبيوتٍ‏.‏ ويطلق البيت على القصر، ومنه ‏{‏قول جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم بشّروا خديجة ببيتٍ في الجنّة من قصبٍ‏}‏ قال في اللّسان‏:‏ يعني بشّروها بقصرٍ من لؤلؤةٍ مجوّفةٍ‏.‏ ويطلق على المسجد‏.‏ قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع‏}‏ قال الزّجّاج‏:‏ أراد المساجد‏.‏ وقد يكون البيت مستقلّاً بذاته، أو جزءاً من المسكن المستقلّ كحجرةٍ من دارٍ‏.‏ ويصدق على المبنيّ من طينٍ، أو آجرٍّ ومدرٍ وحجرٍ، وعلى المتّخذ من خشبٍ، أو صوفٍ، أو وبرٍ، أو شعرٍ، أو جلدٍ، وأنواع الخيام‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عمّا ورد في اللّغة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّار‏:‏

2 - الدّار لغةً‏:‏ اسم لما اشتمل على بيوتٍ ومنازل وصحنٍ غير مسقّفٍ‏.‏ واسم الدّار يتناول العرصة والبناء جميعاً‏.‏ والفرق بين البيت والدّار‏:‏ أنّ الدّار تشتمل على بيوتٍ ومنازل‏.‏

ب - المنزل‏:‏

3 - المنزل لغةً‏:‏ اسم مكان النّزول، وفي بعض الأعراف‏:‏ هو اسم لما يشتمل على بيوتٍ، وصحنٍ مسقّفٍ ومطبخٍ يسكنه الرّجل بعياله‏.‏ وهو دون الدّار وفوق البيت، وأقلّه بيتان أو ثلاثة‏.‏ وتختلف الأعراف في هذه الألفاظ باختلاف المكان والزّمان‏.‏ المبيت على ظهر البيت‏:‏

4 - جاء التّحذير في السّنّة الشّريفة عن المبيت على ظهر بيتٍ ليس له حائط يمنع من السّقوط‏.‏ فقد روى عليّ بن شيبان رضي الله عنه عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏من بات على ظهر بيتٍ ليس له حجار فقد برئت منه الذّمّة‏}‏ وجاء في روايةٍ‏:‏ حجاب، وفي أخرى‏:‏ حجاز‏.‏ وهي بمعنى السّترة الّتي تمنع وتحجز النّائم عن السّقوط‏.‏ ومعنى برئت منه الذّمّة‏:‏ أي أزال عصمة نفسه، وصار كالمهدر الّذي لا ذمّة له، أي لا يجب له على أحدٍ شيء بسبب موته، إذ أنّ الّذي نام كذلك ربّما انقلب من نومه فسقط فمات هدراً‏.‏ ثمّ إنّه إن مات كذلك مات من غير تأهّبٍ، ولا استعدادٍ للموت‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالبيت‏:‏

أ - البيع‏:‏

5 - يجوز بيع البيت المملوك المعيّن والمحدود عند جمهور الفقهاء ويدخل تبعاً للأرض‏.‏ وقال مالك‏:‏ إنّ بيع البيت يتناول الأرض الّتي بها البيت، وكذا بيع الأرض يتناول البناء، ومحلّ تناول العقد على البناء للأرض، وتناول العقد على الأرض ما فيها من بناءٍ - كان العقد بيعاً أو غيره - إن لم يكن شرط، أو عرف بخلافه، وإلاّ عمل بذلك الشّرط، أو العرف‏.‏ فإذا اشترط البائع إفراد البناء عن الأرض، أو جرى العرف بإفراده عن الأرض في البيع وغيره، فلا تدخل الأرض في العقد على البناء، وكذلك لو اشترط البائع إفراد الأرض عن البناء، أو جرى العرف بذلك، فإنّ البناء لا يدخل في العقد على الأرض‏.‏ والتّفصيل موطنه مصطلح ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

ب - خيار الرّؤية‏:‏

6 - يثبت خيار الرّؤية للمشتري في شرائه للبيت إن لم يعاين ولم تحصل رؤيته، لأنّ البيت من الأعيان اللّازم تعيينها، وهذا عند الحنفيّة وعلى قولٍ للشّافعيّة والحنابلة‏.‏ قالوا‏:‏ يصحّ بيع الغائب، وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما، ويثبت الخيار للمشتري عند الرّؤية، وتعتبر في رؤية البيت رؤية السّقف والجدران والسّطح والحمّام والطّريق‏.‏ وفي الأظهر للشّافعيّة، والمقدّم عند الحنابلة‏:‏ إن اشترى إنسان ما لم يره، وما لم يوصف له، لم يصحّ العقد‏.‏ والتّفصيل موطنه مصطلح ‏(‏بيع - خيار الرّؤية‏)‏‏.‏

ج - الشّفعة‏:‏

7 - يثبت حقّ طلب الشّفعة في البيت المبيع للشّريك فيه الّذي لم يقاسم تبعاً للأرض المبيعة، وأمّا الجار فلا شفعة له، لحديث جابرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ ما لم يقسّم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فلا شفعة‏}‏ ولا شفعة في بناءٍ مفردٍ عن أرضٍ، لأنّ من شروط الشّفعة أن يكون المبيع أرضاً، لأنّها هي الّتي تبقى على الدّوام، ويدوم ضررها، والبناء يؤخذ تبعاً للأرض، لحديث جابرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ شركةٍ لم تقسّم ربعةٍ، أو حائطٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ويدخل فيه البناء، وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏ وعند الحنفيّة‏:‏ الشّفعة تكون للشّريك وللجار تبعاً للعقار المملوك، وهذا إن تحقّقت شروط الشّفعة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

د - الإجارة‏:‏

8 - لمّا كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجلٍ معلومٍ، اشترط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع، وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعيّ، بأن تكون محرّمةً كالخمر وآلات اللّهو ولحم الخنزير‏.‏ فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرضٍ غير مشروعٍ، كأن يتّخذه المستأجر مكاناً لشرب الخمر أو لعب القمار، أو أن يتّخذه كنيسةً أو معبداً وثنيّاً‏.‏ ويحرم حينئذٍ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها، وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية‏.‏

مراعاة حقّ الجار في مرافق البيت‏:‏

9 - جاءت السّنّة الشّريفة بالتّأكيد على حقّ الجار والأمر بمراعاته والحفاظ عليه، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه‏}‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏واللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن قيل‏:‏ من يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ الّذي لا يأمن جاره بوائقه‏}‏‏.‏ والبوائق تعني‏:‏ الغوائل والشّرور‏.‏ ولذا لا يجوز أن يحدث مالك البيت فيه ما يضرّ بجاره‏.‏ كأن يحفر كنيفاً إلى جنب حائط جاره، أو يبني حمّاماً، أو تنّوراً، أو أن يعمل دكّان حدادةٍ أو نحوها من المهن الّتي يتأذّى منها جار البيت‏.‏ أمّا في المرافق الّتي تكون بين البيتين، كالجدار الفاصل بينهما، فله حالتان‏:‏ إمّا أن يختصّ بملكه أحدهما، ويكون ساتراً للآخر فقط‏.‏ فليس للآخر التّصرّف فيه بما يضرّ مطلقاً‏.‏ فيحرم عليه وضع الأخشاب، أو مدّ الجسور، أو بناء العقود، ونحوها من التّصرّفات الّتي تضرّ الجدار وتؤثّر في تحمّله، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وذلك لعموم القاعدة الفقهيّة‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ بطيب نفسٍ منه‏}‏‏.‏ أمّا إذا كان التّصرّف لا يضرّ الجدار ولا يضعفه، فيجوز، بل يندب لصاحبه الإذن لجاره باستعماله والتّصرّف فيه، لما فيه من الإرفاق بالجار والتّوسعة عليه‏.‏ والتّفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏ارتفاق‏.‏ جوار‏)‏‏.‏

دخول البيوت‏:‏

10 - أجمع الفقهاء على أنّه لا يجوز دخول بيت الغير إلاّ بإذنٍ، لأنّ اللّه تعالى حرّم على الخلق أن يطّلعوا على ما في بيوت الغير من خارجها، أو يلجوها من غير إذن أربابها، لئلاّ يطّلع أحد منهم على عورةٍ، وذلك لغايةٍ هي‏:‏ الاستئناس، وهو‏:‏ الاستئذان، لأنّ اللّه تعالى خصّص البيوت لسكنى النّاس، وملّكهم الاستمتاع بها على الانفراد، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلّكم تذكّرون‏}‏‏.‏ واستثنى الفقهاء حالة الغزو، فيجوز دخول البيت إذا كان ذلك البيت مشرفاً على العدوّ، فللغزاة دخوله ليقاتلوا العدوّ فيه وكذا في حالة العلم، أو الظّنّ الغالب بوجود فسادٍ فيه، فيجوز للإمام أو نائبه الهجوم على بيت المفسدين، وقد هجم عمر رضي الله عنه على نائحةٍ في منزلها، وضربها بالدّرّة حتّى سقط خمارها، فقيل له فيه، فقال‏:‏ لا حرمة لها‏.‏ أي لاشتغالها بالمحرّم والتحقت بالإماء‏.‏ وقد نفّذ عمر رضي الله عنه التّعزير لهتك حرمات البيت، وذلك في رجلٍ وجد في بيت رجلٍ بعد العتمة ملفّفاً، فضربه عمر مائة جلدةٍ‏.‏ وكما يحرم الدّخول بلا استئذانٍ يحرم النّظر إلى داخل البيوت، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لو أنّ امرأً اطّلع عليك بغير إذنٍ، فحذفته بحصاةٍ، فقأت عينه لم يكن عليك جناح‏}‏

إباحة دخول البيت‏:‏

11 - أباح اللّه عدم الاستئذان في كلّ بيتٍ لا يسكنه أحد، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ فيها متاع لكم واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون‏}‏ ذلك لأنّ العلّة في الاستئذان إنّما هي لأجل خوف الاطّلاع على المحرّمات، فإذا زالت العلّة زال الحكم‏.‏ وللتّفصيل ينظر ‏(‏استئذان‏)‏‏.‏

ولا يجوز للمرأة أن تأذن في بيتها إلاّ بإذن زوجها، أو بغلبة ظنّها بأنّه يرضى بذلك لحاجةٍ مشروعةٍ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه، ولا تأذن في بيته إلاّ بإذنه‏}‏‏.‏

دعاء دخول المرء بيته، ودعاء الخروج منه‏:‏

12 - من الآداب الّتي سنّها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الدّعاء عند دخول البيت وعند الخروج منه‏.‏ من ذلك ما روته أمّ سلمة - رضي الله عنها - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال‏:‏ ‏{‏باسم اللّه، وتوكّلت على اللّه اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ، أو أضلّ، أو أزلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ‏}‏‏.‏ وجاء في دعاء دخول البيت ما رواه أبو مالكٍ الأشعريّ - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا ولج الرّجل بيته فليقل‏:‏ اللّهمّ أنّي أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم اللّه ولجنا، وباسم اللّه خرجنا، وعلى اللّه ربّنا توكّلنا، ثمّ ليسلّم على أهله‏}‏‏.‏

صلاة الرّجل والمرأة الفريضة في البيت‏:‏

13 - اتّفق الفقهاء على صحّة أداء صلاة الفريضة في البيت للرّجل والمرأة‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ الرّجل يأثم إن صلّى الفريضة منفرداً في البيت، مع صحّة صلاته، بناءً على قولهم بوجوب صلاة الجماعة على الرّجال الأحرار القادرين عليها، وذهب الشّافعيّة إلى أنّها فرض كفايةٍ، وذهب المالكيّة والحنفيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة، مع اتّفاق فقهاء المذاهب على أنّ الجماعة ليست شرطاً في صحّة الصّلاة، إلاّ على قول ابن عقيلٍ من الحنابلة‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّ صلاة الرّجل في المسجد جماعةً أفضل من صلاته منفرداً في البيت، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسٍ وعشرين درجةً‏}‏ وفي روايةٍ‏:‏ ‏{‏بسبعٍ وعشرين درجةً‏}‏‏.‏ أمّا في حقّ النّساء فإنّ صلاتهنّ في البيت أفضل، لحديث أمّ سلمة مرفوعاً‏:‏ ‏{‏خير مساجد النّساء قعر بيوتهنّ‏}‏ ولحديث عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها‏}‏ وعن ‏{‏أمّ حميدٍ السّاعديّة أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إنّي أحبّ الصّلاة معك، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد علمت‏.‏ وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاة في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة‏}‏‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ للزّوج أن يأذن لزوجته في شهود الجماعة في المسجد، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه، ولكن ليخرجن وهنّ تفلات‏}‏‏.‏ أي تاركات للطّيب‏.‏ ولحديث ابن عمر مرفوعاً ‏{‏إذا استأذنكم نساؤكم باللّيل إلى المسجد فأذنوا لهنّ‏}‏‏.‏ غير أنّه يكره للمرأة حضور جماعة المسجد إذا ترتّب على خروجها من البيت وحضورها الجماعة فتنة، وللزّوج منعها من ذلك، ولا يأثم‏.‏ وحمل النّهي في الحديث على نهي التّنزيه، لأنّ حقّ الزّوج في ملازمة البيت واجب، فلا تتركه للفضيلة‏.‏

صلاة النّافلة في البيت‏:‏

14 - من السّنّة أن تصلّى النّوافل في البيت‏.‏ فقد روى زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته، إلاّ المكتوبة‏}‏‏.‏ ووجه أفضليّتها‏:‏ أنّ الصّلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرّياء، لما فيه من الإسرار بالعمل الصّالح، وهو أفضل من الإعلان به‏.‏ وقد جاء تعليل أداء النّافلة في البيت في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتّخذوها قبوراً‏}‏ فالبيت الّذي لا يذكر اللّه فيه، ولا تقام فيه الصّلاة، يكون كالقبر الخرب‏.‏ بل من الخير أن يجعل المرء نصيباً من صلاته في بيته، حتّى يعمّره بالذّكر والتّقرّب إلى اللّه سبحانه وتعالى‏.‏ وجاء في حديث جابرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا قضى أحدكم الصّلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإنّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً‏}‏‏.‏

الاعتكاف في البيت‏:‏

15 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للرّجل أن يعتكف في مسجد بيته، وهو المكان المعزول المهيّأ المتّخذ للصّلاة في البيت‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها كذلك‏.‏ مستدلّين بالأثر عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ ‏{‏سئل عن امرأةٍ جعلت عليها - أي نذرت - أن تعتكف في مسجد بيتها، فقال‏:‏ بدعة، وأبغض الأعمال إلى اللّه البدع، فلا اعتكاف إلاّ في مسجدٍ تقام فيه الصّلاة‏}‏ ولأنّ مسجد البيت ليس بمسجدٍ حقيقةً ولا حكماً‏.‏ ولو جاز لفعلته أمّهات المؤمنين ولو مرّةً، تبييناً للجواز‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، لأنّ موضع الاعتكاف في حقّها هو الموضع الّذي تكون صلاتها فيه أفضل، كما في حقّ الرّجل، وصلاتها في مسجد بيتها أفضل، فكان موضع الاعتكاف مسجد بيتها‏.‏ كما ذهبوا إلى أنّه لا يجوز لها أن تخرج من معتكفها في البيت إلى نفس البيت‏.‏ كما في رواية الحسن‏.‏

حكم الحلف على سكنى البيت‏:‏

16 - لو حلف لا يسكن بيتاً، ولا نيّة له، فسكن بيتاً من شعرٍ أو فسطاطاً أو خيمةً، لم يحنث إن كان من أهل الأمصار، وحنث إن كان من أهل البادية، لأنّ البيت اسم لموضعٍ يبات فيه، واليمين تتقيّد بما عرف من مقصود الحالف، وأهل البادية يسكنون البيوت المتّخذة من الشّعر، فإذا كان الحالف بدويّاً يحنث، بخلاف ما إذا كان من أهل الأمصار‏.‏

البيت الحرام

1 - يطلق البيت الحرام على الكعبة، وسمّى اللّه الكعبة البيت الحرام، في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً للنّاس‏}‏ ويقال للكعبة أيضاً‏:‏ بيت اللّه، إعظاماً لها وتشريفاً، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود‏}‏ ويطلق على‏:‏ المسجد الحرام، وعلى حرم مكّة وما حولها إلى الأعلام المعروفة‏.‏

2 - والبيت الحرام أوّل مسجدٍ وضع للعبادة في الأرض، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى للعالمين‏}‏ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أوّل مسجدٍ وضع في الأرض قال‏:‏ المسجد الحرام‏}‏ ولمعرفة أحكام كلٍّ من الكعبة والمسجد الحرام ر‏:‏ ‏(‏الكعبة‏.‏ المسجد الحرام‏)‏‏.‏

بيت الخلاء

انظر‏:‏ قضاء الحاجة‏.‏